الجمعة، 10 يوليو 2015

بعثات ومنح الطلاب العرب ليست كلها ناجحة

توجد كثير من الظروف التي تدفع بالشباب العربي إلى البحث عن فرصة للتعليم خارج الجامعات العربية. المسألة لا تختص بالجامعات العربية فقط، بل أقصد منظومة التعليم العربية في مجملها. هذه المنظومة التي تُدار في معظم البلاد العربية من خلال نخبة طوباوية كلاسيكيةِ القيم ضد الحداثة والمدنية في كثير من جوانبها. 

يأتي في المقدمة من هذه الأسباب مناهج التعليم العربي التي تنتمي لحقبة القومية العربية في ستينيات القرن الماضي، أو فترة الانكفاء الجغرافي الوطني في المرحلة الزمنية التالية لها. هذه المناهج لا تتعدَّى منظومة القيم الكلاسيكية السائدة التي تنفصل عن الواقع الذي يحياه الشباب انفصالا تاما. مما يجعل هؤلاء الشباب يدرسون مجموعة من التعاليم والتوجيهات التي لا يلتقون بها خارج الدرس الأكاديمي. هذا الفصل التام بين المنهج والواقع الذي نحياه يشكل السبب الأساسي –في رأيي– للإزدواجية في القيم والمعايير التي تعصف بالمواطن العربي والشباب منهم على وجه الخصوص.
قريحة الغرب 
أما فيما يختص بالمناهج العلمية في علوم الفيزياء والكيمياء وبقية العلوم الطبيعية، فالأمر أكثر فداحة. فالعالم العربي –في واقع الحال وبعيدا عن الأمنيات– لا يساهم إلا بأقل القليل في البحث العلمي. لم يعد خافيا أن ميزانية البحث العلمي في المجتمع العربي – حتى في البلاد النفطية – لا تُشكِّل إلا جزءًا ضئيلاً من ميزانية هذه الدول مقارنة بالدول المتقدمة. يعيش الأساتذة والباحثون العرب في كافة حقول العلم بشقيه التجريبي والإنساني على دراسة ما جادت به قريحة الغرب. حتى الأساتذة العرب النابهون لا يمكنهم التحرك خارج الإطار الأكاديمي الغربي. 
كما لا يحتاج الأمر إلى الإفراط في الحديث عن كم الإحباطات التي يعاني منها الشباب العربي الذي يعيش وسط مجتمعات قمعية. والخطورة أن القمع لا يأتي فقط من النظم السياسية الحاكمة، لكن الأخطر أن بنية المجتمع وسلوكه نحو الإنسان هو سلوك استبدادي من الأساس، بمعنى أن الاستبداد السياسي ليس إلا محصِّلةً لاستبداد على مستوى الوحدات الصغرى، أي الأسرة والمدرسة وبقية المؤسسات الاجتماعية. هذا المناخ لا يساعد على الإبداع والتفكير خارج صندوق القيم السلبية التي يعيش فيها الشباب.
دول الابتعاث
تأتي أوروبا الغربية والولايات المتحدة في صدارة البلاد التي يطمح الطلاب العرب إلى الابتعاث إليها، لكن ظهر على الساحة مؤخرا مجموعة الدول الصناعية في شرق آسيا مثل ماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية. يذهب الطلاب العرب إلى شرق آسيا لدراسة العلوم الطبيعية والطب باللغة الكورية واليابانية وغيرها من اللغات التي أصبح لها حضور لافت في هذه الأيام. ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء لمعرفة الأسباب التي يأتي في مقدمتها التصنيف الدولي لهذه الجامعات.
الحقيقة –من خلال خبرتي التدريسية في كوريا الجنوبية- أن الطلاب العرب ينقسمون في هذا الأمر إلى قسمين: قسم يُدرك أن الحصول على هذه المنحة أمر في غاية الصعوبة، وأن على الطالب أن يواصل العمل ليل نهار حتى يتمكن من الاستمرار والتفوق؛ لأن هذه المنح الدراسية تربط استمرار الطالب بمدى ما يحققه من تقدم خلال فترة المنحة، فإذا أحست الجهة المانحة بأي تراخٍ فإنها تقوم بإنذار الطالب أو إلغاء منحته في حال انخفاض تقديراته. كل هذا يجعل الطالب في سباق دائم مع الوقت. والنوع الثاني بعض الطلاب المبتعثين من جامعات حكومية بالإضافة إلى بعض الأثرياء العرب الذين لا يرغبون في العلم، لا يتعدى الأمر الرغبة في الحصول على شهادة للتفاخر بها، وهذا يتطلب الانتساب إلى بعض الجامعات منخفضة التصنيف والتي لا تكلف الطالب كثير عناء للحصول على مبتغاه.
جامعات الانتساب
أما فيما يخص الجامعات التي يمكن لطالب المنحة أو البعثة أن ينتسب إليها فهي أيضًا قسمين: هناك جامعات معترف بها دوليا ولها اسم شهير في ساحة البحث العلمي، وهذه الجامعات تتطلب مجهودا خرافيا من الطلاب لتعويض النقص المعرفي الفادح والفجوة الواسعة بين المعارف الأساسية التي شكلت وعي الطالب في مرحلة التعليم الأساسي وبين مستوى الطلاب العاديين من غير العرب في هذه الجامعات، الحقيقة أن الطالب العربي يحدث له ما يشبه الصدمة حين يدرس في هذه الجامعات، إذ أن طرق التدريس والمناهج هناك تسير في عكس الطريق الذي تسير فيه المناهج التي تربينا عليها من حيث الكم والكيف. وهناك جامعات ليس لها أي إضافة أو مساهمة في المعرفة. الأمر لا يعدو كونه مكاتب لتلبية رغبة بعض الطلاب العرب في الحصول على شهادة من جامعة غير عربية، لكنها في الحقيقة لا تضيف إلى الطلاب أي معرفة حقيقية.
لا يعودون أبدا
مع الأسف، كنت أتمنى أن يجد الطلاب في جامعاتنا العربية تعويضا عن جامعات الغرب، فكثير من طلاب العرب يذهبون إلى هذه الجامعات للحصول على الماجستير والدكتوراه ولا يعودون عربا أبدا. الكثير منهم يدين بالولاء للبلاد التي منحتهم هذه الشهادات العلمية، والسواد الأعظم من هؤلاء الطلاب يرفض العودة مرة أخرى إلى بلده الأصلي، لأنه لا يستطيع أن يجاري الأجواء غير العلمية السائدة في المؤسسات الأكاديمية العربية. الحقيقة أن الظروف الحضارية كلٌّ لا يتجزَّأ، وحين تتغير الظروف في عالمنا العربي ويكمل سعيه نحو التقدم والحرية فسوف تتغير بالضرورة أحوال جامعاتنا العربية والبحث العلمي فيها.