السبت، 21 ديسمبر 2013

عابرون

حين أسير وحدي في شوارع سيول لا أرى أضواء النيون الخلابة، ولا تلفت نظري ناطحات السحاب الزجاجية اللامعة، أو فاترينات الملابس وألوانها الزاهية، ولا حتى المقاهي التي تمتلئ بالعابرين. أنظر دائمًا إلى أرصفة الشوارع حيث مرَّ من هنا الغزاة اليابانيون مُخلِّفين وراءَهم آلاف القتلى لم تجف دماؤهم على الأسفلت، ونساءً وأطفالاً عرايا ترتعد فرائِصُهم جرَّاء الجليد ورعب الحرب الأهلية، تختفي الأشياء التي أحبها فجأةً ولا يتبقى سوى أزيز طائرات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تلقي آلاف الأطنان من المواد المتفجرة والقنابل العنقودية. أين ذهبت أرواح كل هؤلاء الضحايا؟ ولماذا حين نموت لا يستغرق الأمر سوى دقائق قليلة يغسلون فيها آثار الدماء من على الحوائط والأرصفة، ثم نعبر إلى الضفة الأخرى كأنَّنا لم نكن هنا؟

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

مسافات

ولما سألتك هل العالم كبير يا أبي إلى هذه الحد؟ ابتسمتَ وأخبرتَنِي أنَّ العالمَ كبيرٌ جدًا، أكبر من قريتنا الصغيرة بمراتٍ عديدة، وأننا نحتاج إلى طائرةٍ حتى نتمكن من الدوران حول الأرض. يومها أشحت بوجهي ولم تعجبني إجابتك العاقلة. كنت أعتقد أنَّ بإمكاني مشاهدة أمريكا إذا تمكنت من الصعود إلى قمة النخلة المجاورة لمنزلنا الريفي القديم. الغريب أنني مازلت عند رأيي حتى بعد أن كبرت؛ إذ بعد أنْ رحلْتَ أنتَ وأمي عن هذا العالم القاسي، وأخذتْنِي الطائرةُ إلى مكانٍ بعيدٍ في أقصى الأرض، مازال بإمكاني فتح النافذة كل صباح، والتلويح بيدي لكما رغم طول المسافات بيننا.

السبت، 16 نوفمبر 2013

أوراق الخريف

أظل طوال العام متجاهلا رحيلك عني دون إشارة أو كلمة وداع، كنت أريدك أن تتصل بي، أن تخبرني أنك ذاهب إلى هناك حيث الإقامة ممتدة والعودة مستحيلة، غير أنني كلما أقبل الخريف، وتساقطت أوراق الشجر في دوائر متقطعة تعلو وتهبط حتى تقع على الأرض لافظةً أنفاسها الأخيرة، تعاودني ذكرى العام الأخير، حين شارف جسدك على الذبول تمامًا كأنه يرفض أن تُكمل الحياة، أتذكر سفري في آخر زيارة للعائلة حيث تستيقظ أنت عند الفجر، وتتسلل إلى حجرتي على أطراف أصابعك لتتأكد أنني أحكمت الغطاء على كامل جسدي، ثم تخرج للصلاة بعد أن تغلق الباب. الآن أجلس وحيدًا في أقصى الدنيا والهواء شديد البرودة والثلوج توشك أن تنقض علينا، أسمع في كل ليلة طرقات يدك على النافذة، وأرى وجهك الذابل يحذرني من البرودة والنوم دون غطاء.

الخميس، 18 يوليو 2013

ذكريات

جالسًا كان في مقعده قُربَ النافذة
أسندَ ظهرَه إلى الكرسيِّ الوثير
تَحسَّس حقيبةَ يده الممتلئةَ بجوازِ السفر والأوراقِ اللازمةِ للرحيل
تَذَكَّر أمتعتَه المكتظةَ بالملابس والكتب حتى أوشكتْ على الانفجار
كاد رُكَّاب الطائرة أنْ يستقرُّوا في مقاعدهِم استعدادًا للإقلاع
نَظَرَ إلى باب الطائرة في انبهار حين قاموا بإغلاقه
لم يَلحظْ أَيٌّ من الراكِبين أو الطاقم
حقائبَ ضخمةً من الذكريات تَتَكَدَّسُ في كل مكان
مشاهدَ كثيرةً من الطفولة والصبا تقفز من النوافذ إلى الداخل
وحين علا أزيزُ الطائرة وعانقَتِ السحاب
كان سربٌ من الوجوه الأليفة يطيرُ بمحاذاةِ النافذة
ورأى عصا جده العتيقةَ وحمارَه العجوز
يَسبق الطائرةَ على غير عادته
بينما كانت يدُ جدته ذاتُ الجلدِ المنكمش والأصابعِ الواهنة
تسندُ رأسَه قليلا إلى الوراء بعد أن أوشكتْ على السقوط