الأحد، 19 نوفمبر 2017

حين أصابتني الغربة

أقسى ما في الغربة أن تكون هامشًا. ممنوعٌ أن تصبح مَتْنًا في حياة الآخرين. وظيفتك أن تكون أداةً يقترب منها الآخرون بِقَدْرِ فائدتِها. أنت في الغربة كائنٌ حيٌّ تنمو مشاعرُه إلى الداخل، ويحيط نفسَه بسياجٍ غليظٍ من خرسانة اللامبالاة والتحديقِ في الفراغ. تحمل دموعَك داخلك كَمَن يحمل إناءً يفيض بالماء على حافَّتَيْه. تظل تتأرجح حاملاً الإناءَ فوق رأسك محاولاً ألا يصطدم بك أحدٌ خشيةَ أن ينسكب الإناءُ من الخارج وتنكشف دموعُك أمام الآخرين. لا تتذكر الأعيادَ إلا حين يحتفل بها الآخرون، ولا يقترب منك أحدٌ إلا بالخطإِ كما يقترب الناس من أشواك القُنفذ، ربما يصطدم بك شخصٌ متعجلاً فيضع يده على كتفك معتذرا، وأنت تَوَدُّ لو أنه مد كلتا يديه وعانقك. لكنك أحيانًا لا تعدم وسط هذا الضباب مَن ينظر إليك بعطف، بل ويشكرك على معروفٍ أسْدَيْتَه إليه. مريد البرغوثي يقول إن الغربة مثل مرض الربو، إذا أصابك لا شفاء منه أبدا. أنا أيضا أصابتني الغربة، لكنني ألِفْتُها كما يألف المدمنون وَخْزَ الإبرة. أخشى حين أعود من حيث جئتُ ألا أجد الآخرين حيث تركتُهم. وهَبْنِي وجدتُهم حقا، فهل سأكون أنا ذلك الشخصَ الذي غادرهم منذ وقت طويل؟