الثلاثاء، 29 يونيو 2021

الشوارع حياة

الشوارع كائنات لها أرواح كالبشر. عيونها المصابيح، وألسِنتُها اللافتاتُ والإشاراتُ الضوئية.
المقاعدُ الخشبية العتيقة أيادِيها الحانية.

في أواخر المساءاتِ الباردة، يبدو الشارع عجوزا ينظر من النافذة في انتظار أحفاده الغائبين. 

يُحِسُّ الشارع أحيانا بالأَرَق، فيظلُّ مستيقظا حتى الصباح في انتظار خطوات المارة وأصوات البائعين كي يَشعرَ بالأمان.

يأتي عامل البلدية. يَصْعدُ أعمدةَ الإِنارة. يُغيِّر المصابيح التالفة، فيعود إلى الشارع النور، كأنَّه جَرَّاحُ العيون يُعِيدُ إليه البصر. 

يشعر الشارع بالسعادة حين يرى مصابيحَ الزينة مُعَلَّقةً بإحدى الشُّرُفَات، فيعرف أن المراهِقةَ البريئةَ ذاتَ الجدائلِ الصغيرةِ وَذَيْلِ الحِصان قد أصبحتْ شابةً يافِعةً.

في ساعات الصباح الأولى يشعر الشارعُ بالفخر حين يرى أفواج التلاميذ بملابسهم المدرسيةِ الزرقاء يستعدون للمغادرة. 

حين ينزل الأجدادُ لأداءِ صلاة الفجرِ يشعرُ الشارعُ بالأمان والدفء. 

يشعر الشارع بالرعب حين يعلو أزيزُ الطائرات، وتبدأ الغارة الجوية. 

يشعر الشارع بالخجل، فقد عرف أن مالِكًا جديدًا يستعد لافتتاح مَلْهًى لَيْلِيّ. 

حين دوَّتْ صرخةٌ حزينة من إحدى الشرفاتِ المنخفضة، أسرعَ الناسُ نحوَ الصوت. بعد قليل، خرجوا حاملين أحدَ الموتى إلى مَثْوَاه الأخير، وحين عادوا إلى الشارع، كانت الأمطارُ الغزيرة تتساقط فوقَ السياراتِ والشرفاتِ وحِبالِ الغسيل وبضائع الباعة الجائلين. قال أحد الجيران: "هذه أمطار الخريف". وَحْدَهُ الحفيدُ - مُنْزَوِيًا بِإِحدَى الغُرَفِ - يَعْلَمُ أنَّ هذه الأمطار كانت دموعَ الشارعِ حزنًا على وفاة جَدِّه.