السبت، 16 مارس 2019

دروس مذبحة نيوزيلندا


·     يجب أن يكف العرب والمسلمون عن النواح والبكائيات التي لا فائدة منها لأن ذلك ليس له قيمة. إليكم المفاجأة. العالم لا يأبه بالضعفاء على الإطلاق ولا يهتم بهم. العالم لا يحترم إلا الأقوياء. التاريخ الإنساني يمتلئ بكثير من المذابح. الحربان العالميتان في القرن العشرين راح ضحيتهما أكثر من ١٠٠ مليون إنسان. ما الفارق إذا وضعنا بجانب هذه الملايين أعدادًا أقل؟
·     هذه المذبحة تاريخية. لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة. ستكون مُلهِمة للمجانين والمصابين بالإسلاموفوبيا في الأيام والسنوات القادمة. محطة مهمة من محطات الحقد والكراهية ضد الإسلام والأديان عمومًا. ليست مجرد جريمة كراهية من تلك الجرائم السابقة. هي جريمة مخطط لها بكفاءة ومنسجمة مع الموقف الفكري للشخص الذي ارتكبها. هذا شخص يحمل في رأسه وقلبه ميراث الكراهية الممتد لمئات السنين كما جاء في منشوره المطول الذي كتبه بنفسه على شبكة الإنترنت.
·     قيمة الإنسان على كوكب الأرض تتناسب طرديا مع قيمة الدولة التي يحمل جنسيتها. مقتل خمسين مواطن من الشرق الأوسط في بثِّ مباشر على موقع فيسبوك لن يساوي مقتل هذا العدد من سكان العالم الأول في أوروبا وأمريكا، ولا حتى يساوي نصفهم أو ربعهم. هناك مواطنون تتحرك من أجلهم جيوش، وفرق كوماندوز، وطائرات حربية لإنقاذهم، أو لإخراجهم علنًا أو في الخفاء من سجون دول أخرى والعودة بهم إلى بلادهم، بينما هناك مواطنون لا يتملكهم الرعب إلا عند المرور من أمام قنصليات بلادهم وسفاراتها في الخارج.
·     طالما أن المواطن العربي ليس له أي قيمة في بلاده فلن يكون له أي قيمة خارجها. بعيدا عن أي خلافات سياسية، هناك مواطن عربي تمَّ استدراجه إلى قنصلية بلاده - التي يلجأ إليها الناس طلبًا للحماية عادةً - وتم تقطيعه بمنشار تحت سمع وبصر العالم كله، ولا يُعرَف لجثته مكان إلى الآن. هل يمكن أن يكون لهذا المواطن قيمة خارج بلده؟ هل يمكن أن يشكل موت هؤلاء المواطنين من هذه الدول فارقًا كبيرًا؟ يجب أن نكون عاقلين. علينا أن نزن الأمور بميزان العقل والابتعاد عن العواطف قليلاً.
·     أصل الداء في مذبحة نيوزيلاندا أن بلاد العرب والمسلمين أصبحت في معظمها ميدانًا خصبًا للاستبداد والديكتاتورية، مما دفع كثيرًا من أبنائها إلى الهجرة واللجوء إلى أوروبا والولايات المتحدة ومن يدور في فلكها بحثًا عن حياة كريمة، أو فرارًا من مجازر الحرب، أو من أجل الحرية وممارسة الحياة الطبيعية التي تليق بالبشر. لو وَجَدَ هؤلاء الناس في بلادهم حياةً كريمة ما رحلوا عنها. معظم الذين ماتوا في المجزرة هاربون من حروب أهلية أو باحثون عن لقمة عيش بعد أن سُدَّتْ في وجوههم كل فُرص العيش الكريم.
·     يجب أن نتعلم من هذه المجزرة أن حق الحياة يجب أن يكون لجميع البشر بغض النظر عن أديانهم أو ألوانهم أو قومِيَّاتهم. نحتاج إلى الاتفاق على هذا المبدأ. قتل الناس مبدأ مرفوض يجب أن نصرخ بهذا في وجه كل دعاة الكراهية من كل الأديان. يجب أن يتوقف المسلمون بعد كل جريمة عن إنكار الصلة بين الإسلام والإرهاب. هذا التصرف نتائجه عكسية تماما، يتعامل كثير من المسلمين مع الإسلام من موقف متخاذل كأنه يحمل عارًا يبحث له عن مبرر ويدافع عنه. الشخص الذي لا يعتز بالإسلام عليه أن يغادره على الفور. لا حاجة للإسلام بهذا الخطاب الذليل الذي يُقسم بعد كل جريمة ارتكبها شخص أحمق بأن الجريمة لا علاقة لها بالإسلام. 
·     تثبت مجزرة نيوزيلندا أن التطرف والكراهية موجودان في كل مكان. لا يمكن أن يتحمل المسلمون وحدهم ضريبة الإرهاب والكراهية في العالم كله. لا يمكن قبول الأفكار التي تمتلئ بها عقول كثير من الناس بأن الإرهاب صناعة إسلامية. كل شخص يقتل هو شخص إرهابي قاتل ثم نضع نقطة. إلصاق القتل بالإسلام ليس له أي مبرر ولا يمكن القبول به. إن ترديد مليون شخص لفكرة خاطئة أو معلومة غير صحيحة لن يجعلها صحيحة أبدا.
·     الغريب في مجزرة نيوزيلندا أن قادة الغرب هم الذين نددوا بها واعتبروها جريمة كراهية. غريب أن يبتلع الناس في الشرق الأوسط والمنطقة العربية ألسنتهم، وأن يبحث بعضهم عن مبررات لهذه الجريمة. هذه الجريمة فرصة جيدة لإثبات أن الكراهية لا علاقة لها بأي دين، وقد دفع ثمنها ضحايا أبرياء. لا يجب أن تضيع هذه الدماء هدرًا.
·     رحم الله هؤلاء الضحايا الأبرياء وغيرهم من ضحايا الإرهاب والكراهية في كل مكان.