الأحد، 19 أبريل 2020

كورونا الذي يحصد أرواحَنا مثل مِنْجَل

     لو كان فيروس "كورونا" مرضًا للفقراء فقط ما وقف العالم على قدم واحدة كي يبحث عن علاج يوقف هذا القطار المتجه بأقصى سرعة آخذًا في طريقه كل شيء. إنه لحسن الحظ لا يفرق بين غني أو فقير. تتسابق مراكز الأبحاث في العالم المتمدن كي تجد علاجًا لهذا الموت المجاني كي تنقذ شعوبها من هذا الوباء الفتاك.
     أخشى ما أخشاه أن ينجح العالم المتمدن في وقْفِ تَدَفُّقِ الفيروس، ثم يغلق حدوده ويتركنا في بلادنا فريسةً لهذا الموت دون أن يمد لنا يد المساعدة.
   إذا تخلصتْ الدولُ الأوروبية وأمريكا من الفيروس بعد أن يكمل دورة انتشاره لديها فإنه سوف يتحول إلى مشكلة الدول الفقيرة فقط. ربما ستحظى هذه الدول ببعض المعونات، لكن هذه الجائحة لن تصبح وقتها مشكلة السيد "ترامب" أو السيد "بوريس جونسون"، وإنما سيكون كورونا أداة الجنرالات والملوك والرؤساء في أفريقيا والشرق الأوسط لتخفيض عدد السكان.
      يتحرك الفيروس كأنه يسير بخطة محكمة. يتجه أولا نحو الصين وكوريا الجنوبية واليابان بمعدلات إصابة ووَفَيَات معقولة، ثم يقفز إلى أوروبا والولايات المتحدة ليصبح هناك أكثر شراسة كأنه السيدة العجوز في الحكايات الخرافية التي تَسِنُّ أسنانها ثم تلتهم كل مَنْ في طريقها.
        يبدو كورونا دائمًا قبل أن يصيبك كأنه "مشكلة شخص آخر"، لكنه ما أن يتجه نحوك - أو نحو شخصٍ تعرفه - حتى تتورط فيه بكل كيانك كما يتورط القتلة في دماء ضحاياهم.
      يخطو الفيروس نحو بلادنا ببطء، لكنه يسير بخطى ثابتة. يتعامل الناس في بلادنا مع الجائحة بالنكات والوصفات الطبية القديمة كما يتعاملون مع نزلات البرد، وهي وسيلة الشخص فاقد الحيلة الذي لا يملك من أمر نفسه شيئًا. إذا قرر الفيروس – لا قدر الله - أن يقيم في بلادنا لفترة، كما يقيم في أمريكا وأوروبا الآن، فإنه سيصطحب معه الكثير من الناس قبل أن يغادرنا.
    نتمنى أن يغير الفيروس من سلوكه في الطقس الحار. هذا هو الأمل الوحيد الذي نرجو من الله أن يتحقق الآن .
        لا أحب أن أكرر العبارات التي يحفظها الناس، لكن منذ أن حاصرنا هذا الوباء ترنُّ في أذني مقولة نجيب محفوظ: "لو نجونا فهي الرحمة، ولو هلكنا فهو العدل".
      في أوقات الأزمات الكبرى - مثل تلك التي نعيشها الآن - يعرف الناس قيمة أن يكون في بلادهم بنية تحتية جيدة. لقد انتصر الكوريون واستطاعوا أن يوقفوا تدفق الفيروس – وما زالوا حتى الآن - بفضل شبكات الاتصال الراقية، والطرق التي ليس لها حصر، والمواصلات الآدمية، والمستشفيات التي تمتلئ بها المدن. إن نظامهم الطبي يتمتع بكفاءة منقطعة النظير ولا يفرق بين الأغنياء والفقراء.
     الذي يعتقد أن كوريا انتصرت على الفيروس الآن وتمكنتْ من محاصرته بسبب البنية التحتية فقط فهو مخطئ، لكن السبب الأول - في رأيي - يعود إلى المواطن الكوري الذي يتصرف بحكمة ويعرف كيف يساعد الحكومة لأنه يثق في حكومته. أقصد أن المواطن الكوري هو شخص تستثمر حكومته في تعليمه وإعداده، حتى إذا مرت البلاد بظروف استثنائية استطاعت بفضل هذه التنشئة لمواطنيها أن تتجاوز المحنة بأقل الخسائر.
    أعتقد أن الدول التي تستثمر في التعليم والصحة – مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية - هي الدول التي يمكنها أن تنجو من هذه المحرقة وأن تتعافى بسرعة، أما أولئك الذين لا يعرفون من الاستثمار سوى زرع مزيد من الخرسانة في الصحراء فهم الآن في موقف لا يُحْسَدون عليه.
        الاستثمار الآمن والمؤكد هو الاستثمار في الإنسان وتعليمه وتنميته، أما الاستثمار في الخرسانة والقصور والمظاهر التافهة فهو استثمار لا ينفع وقت الأزمات.
    من المبكر أن نقول بأن هذه الكارثة العالمية ستكون شهادة وفاة للنظام العالمي الحالي. إذا خرجتْ الولايات المتحدة وأوروبا بأقل الخسائر فلا شيء سيتغير على الإطلاق، إذا لم تتغير أمريكا وأوروبا فلن يتغير شيء. ربما ينهار الاتحاد الأوروبي أكثر، لكنه على كل حال يسير نحو النهاية.
   في الوقت الذي تتشاجر فيه الدول على المعدات الطبية وأجهزة التنفس الصناعي والأقنعة، هناك دول أخرى لا تهتم إلا بأن يقال عنها إنها تتبرع بالمعدات الطبية رغم حاجة مواطنيها الشديدة إلى تلك المعدات. يختطف الأوروبيون والأمريكان الأقنعة وأجهزة التنفس كأنهم قراصنة البحار. لقد وقف الرئيس الأمريكي مثل "ضبع جائع" يقول: "لن تحصل دولة في العالم على أي معدات قبل أن تحصل الولايات المتحدة على ما تحتاج إليه".
    مشهد الطبيبة التي ماتت جرَّاء إصابتها بالفيروس والقرية التي رفضت دفنها خوفًا من عدوى الفيروس مشهد مؤلم للغاية يختلط فيه الجهل بعمى القلب. كيف يتحول الناس في بلادنا إلى كائنات شريرة إلى هذه الدرجة؟ إن غابات أفريقيا بِسِبَاعِها الضارية أكثر رحمة على ساكنيها من هذه البلاد القاسية.

        بصراحة متناهية، كورونا ليس أول الأوبئة، ولن يكون آخرها، سوف يقيم معنا بعض الوقت وينصرف، لكن الوباء الحقيقي الذي يرفض أن يغادرنا وينهش في بلادنا بلا هوادة هو غياب الحريات والعدالة الاجتماعية. إذا استعاد المواطن في بلادنا السيطرة على مقدراته، فإن بإمكانه أن يهزم كل الأوبئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق