الخميس، 4 يونيو 2020

خرافات مصرية وعربية - الجزء الأول

في بلادنا مجموعة من الأساطير الرائجة التي يؤمن بها الناس ولا يوجد أي دليل عقلي أو نقلي على صحتها. هذه الخرافات تنتشر بين الناس بشكل كبير وتمارس تأثيرًا سلبيًا على سلوكياتهم وعلى القرارات التي يتخذونها في حياتهم. إنها مستمرة ومتوغلة داخل النفوس بدرجة يصعب تفكيكها مما يؤثر سلبًا على حياة الناس. سوف أحاول أن أسرد بعضًا من هذه الأساطير وأناقش تأثيراتها السلبية على مجتمعاتنا:
1. مصر بلد محروسة:
هذه الأسطورة أسست لكثير من الشعور الزائف بالشوفينية والتفوق الذي يصل إلى حد العنصرية وازدراء الآخرين في مصر. إذا تحدثتَ إلى كثير من المصريين ستجد عندهم إيمانًا مترسخًا بأن بلدهم يتمتع بحصانة إلهية ضد أخطار الطبيعة. هذا الكلام ليس له أي سند من الشرع أو العلم. إن قوانين الفيزياء لا تفرق بين بلد وبلد، ولا بين منطقة وأخرى. لا توجد دولة محروسة وأخرى رُفِعَتْ عنها الحماية من الله. لا يوجد بلد في العالم يتمتع بحماية ذاتية. كل دول العالم إذا لم يدافع أهلها عنها فإنها تتعرض للأخطار والدمار، لا فرق في هذا بين القاهرة أو مكة أو الفاتيكان أو القدس. ومصر ليست استثناءً من ذلك.
لقد تعرَّضتْ أقدس الأماكن التي يعظمها المسلمون لكثير من الهجمات والتخريب على مدى التاريخ. لقد قُذِفَتْ الكعبة بالمنجنيق في خلافة يزيد بن معاوية حتى أن بعض أجزاء من الكعبة قد تعرض للاحتراق عام ٦٤ للهجرة بسبب امتناع بعض الصحابة عن مبايعة يزيد. كما حوصر المسجد الحرام حديثًا واضطرت الحكومة السعودية لإحضار فرقة كوماندوز من الخارج كي يحرروا المسجد الحرام من جهيمان العتيبي وجماعته التي حاولت احتلال المسجد واحتجاز الرهائن بداخله عام ١٩٧٩. كما يمكن اعتبار القدس بأنها المدينة التي شهدت أكبر مذابح على مر التاريخ وما زالتْ. كما تعرضتْ مصر في كثير من فترات التاريخ لمجاعات، وأوبئة، واحتلال، وحروب أهلكتْ معظم سكانها، بل كانت هذه الأوبئة واحدة من جنود الطبيعة التي تحافظ على التوازن البيئي. لا يوجد استثناء في هذا الأمر بين أي بلد وآخر. صحيح أن بعض الأماكن لها قيمة روحية عند أتباعها، لكن هذه القيمة الروحية لا توقف قوانين الفيزياء. ربما استطاع الأنبياء إيقاف قوانين الفيزياء بأمر من الله، لكن يظل هذا استثناءً لا قاعدة.
وعندما ظهرت جائحة كورونا منذ أواخر ديسمبر الماضي، كان الموت يحصد أرواح آلاف الإيطاليين والإسبان كل يوم أمام أعيننا، ونحن ننظر إليهم ولا نفعل شيئًا اعتقادًا منا أن الوباء لا يصيب مصر لأنها محروسة. و"النار لا تحرق مؤمنًا" كما اعتدنا أن نردد. والنتيجة أن هناك ماكينة موت قادمة ولا نملك حيالها إلا الدعاء. قطار بلا مكابح يجري بأقصى سرعة يطحن تحت عجلاته كثيرًا من أحبتنا دون أن يطرف له جفن.
يجب أن نكف عن ترديد هذه المقولة لأنها تخلق مجتمعًا متواكلاً يعتمد على ما تخبئه الأقدار من لطيف العناية الإلهية دون أن يتحرك ليدفع عن نفسه الخطر والهلاك. بلادنا مثل أي بلاد أخرى ليست محصنة ضد الأوبئة والمجاعات. الحراسة الحقيقية للبلد هي حراسة الشعوب الواعية لأوطانها. إنهم يعرفون أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وأن عليهم أن يغيروا حياتهم إلى الأفضل حتى يستجيب لهم القدر. علينا أن نؤمن أن حراسة الوطن لا تكون إلا بتعب وعرق أبنائه، إنه طريق طويل جدا وشائك لأنه يعتمد على قوانين الطبيعة دون الاقتصار على انتظار الفرج من السماء.
2. الإسلام هو الحل:
عندما كنت صغيرًا في المرحلة المتوسطة والثانوية، كنت أحمل في جيبي وأنا عائد من المدرسة مصحفًا صغير الحجم. كان يحلو لي أن أخرجه من جيبي وأن أقف محدقًا في أصدقائي وأقول لهم بثقة: "في هذا الكتاب الحل لكل مشكلات العالم". مرت سنوات كثيرة، لكنني ما زلت مصدقًا هذه العبارة ومؤمنًا بها كل الإيمان.
لكن بعض الناس في بلادنا يعتقدون أن الإسلام يشبه ماكينة صناعة الكعك التي نضع فيها العجين من ناحية فَيَخْرُج لنا الكعكُ ناضجًا من الناحية الأخرى. الوصفة سهلة جدا. عليك بإحضار أي مجتمع ثم ضَعْهُ في "ماكينة الإسلام"، ثم بحول الله وقوته سوف يتشكَّل على الفور مجتمع يقود العالم. إن هذا الكلام مليء بالافتراء والباطل ويضر الإسلام أكثر مما ينفعه. كل المتخصصين يعرفون أن تجربة الحضارة الإسلامية خلال العصور الوسطى كانت تجربة عظيمة للغاية، لقد تركتْ وراءها إرثًا حضاريًا للبشرية، لكنه إرث زمانه، لا يمكن أن يكون ماكينة لصناعة الحاضر أبدا. كل فترة من فترات التاريخ ابنة زمانها ولا يمكن تكرارها بحذافيرها. لقد استجدَّتْ قضايا ومواقف وأزمات لم تشهدها البشرية من قبل. الحضارات لا يمكن استنساخها لكي تتكرر في أماكن أخر، كما لا يمكن تكرارها. يمكن الاستضاءة بقيمها والبدء من حيث انتهت، أما تكرارها فهذا - في رأيي - مستحيل أبدًا. التاريخ لا يعيد نفسه، والإنسان لا يعبر النهر مرتين كما قال الفلاسفة.
يعلم كل دارسي الفقه والشريعة الإسلامية مدى الجهود الجبارة التي نحتاج إليها من أجل النهوض بالشريعة الإسلامية. هل تصلح الشريعة الإسلامية بشكلها الماضوي للتطبيق في هذا الزمان؟ يوجد إجابتان: إذا كنت تقصد تلك الشريعة بحذافيرها التي وجدت في القرن السابع الميلادي والتي أسستْ للحضارة الإسلامية، فإن الإجابة لا.  لا يمكن أن تصلح لأن الحياة تغيرت كثيرًا ولم يعد ممكنًا في ظل التغيرات المتواصلة أن تواكب هذه الشريعة القديمة هذا العصر. تحتاج هذه الشريعة إلى اجتهاد وثورة.
أما إن كنت تقصد المقاصد العليا لهذه الشريعة وما يمكن أن نضيفه إليها من حلول عصرية عن طريق تجديد الفقه والمواريث والمعاملات، فالإجابة بالتأكيد نعم. الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، لكنها لا تصلح بمفردها، إنها في احتياج إلى جهود المؤمنين بها حتى يصبح الفقه مناسبا للعصر الذي نعيش فيه. لا يمكن أن أستخرج من بطون الكتب مجموعة من القوانين ثم أدفع بها إلى المشرعين وأقول لهم عليكم بتطبيق هذه القوانين لكي نصنع مجتمعًا عظيمًا. كل فلاسفة القانون يعلمون أن القوانين ابنة زمانها، وأن فرض القوانين من أعلى إلى أسفل يجعل منها قشرة خارجية وغطاءً براقًا فوق جسد ميت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق